نجح الأميركيون في إقناع نظرائهم الألمان بأن فكرة المناطق الآمنة في سورية ليست «فكرة جيدة» حالياً، وذلك بعد أن طالبت برلين قبل أسابيع بضرورة إنشائها. وكان هدف المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، هو إيواء اللاجئين الفارين من سورية، وهي الفكرة التي تبنتها تركيا طويلاً. إلا أن الأخيرة تريد حماية حدودها الجنوبية الشاسعة مع جارتها التي تعيش حرباً أهلية منذ أكثر من خمس سنوات. وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد نفى أن مسؤولين في إدارته اقترحوا إنشاء مناطق آمنة خاصة لصالح المقاتلين المعتدلين في مناطق من شمال سورية.
ويأتي ذلك في وقت تتعرض مدينة حلب لقصف جوي مكثف منذ أسبوعين، على الرغم من وقف إطلاق النار المفترض، وذلك مع قيام قوات النظام بالتحضير لهجوم كبير على المدينة. وتقول حكومة دمشق إنها تهاجم جبهة النصرة المتحالفة مع مجموعات من المقاتلين تنشط داخل المدينة. ومن شأن خطة المناطق الآمنة أن تسمح لواشنطن بدعم المقاتلين دون أن تظهر أنها تقف إلى جانب تنظيمات متطرفة. ولكن البيت الأبيض نفى ذلك بشدة، مؤكداً أن الفكرة ليست «بديلاً عملياً» في سورية.
في غضون ذلك، ذهب وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى جنيف لعقد محادثات طارئة في محاولة يائسة لاستعادة الهدنة الجزئية، على الأقل في ظل الهجمات المستمرة في أكبر مدن البلاد. وأعرب المسؤول الأميركي عن أمله الكبير في اتفاق مبدئي بين الفصائل المتناحرة، إلا أن ذلك لم يتم بعد. كما وصف كيري العنف الخارج عن السيطرة في حلب بالأمر «المزعج جداً لكل العالم»، وحذر من أنه «لا يمكن السماح بالاستمرار بذلك إلى أجل غير مسمى».
نفاد الوقت
خطأ مباشر
يرى خبراء سياسيون أن هناك فشلاً واضحاً في سياسة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في ما يخص الملف السوري، إذ كان بإمكان واشنطن الإطاحة بنظام الأسد، وفقاً لهؤلاء، قبل أن يعلن أوباما أن الأسلحة الكيماوية خط أحمر، وقبل استخدام هذه الأسلحة من قبل النظام في 2013. والإطاحة بنظام الأسد حينها كان لا يستوجب تدخلاً عسكرياً أميركياً، بل كان يتطلب دعماً لفصائل المعارضة السورية بالسلاح، وحينها لم يكن ثمة وجود لجبهة «النصرة» ولا تنظيم «داعش»، ولم يكن هناك تدخل روسي وإيراني بالمعنى العسكري، كما أنَّ «حزب الله» لم يكن موجوداً حينها على الأراضي السورية.
وتحول الأزمة في سورية إلى مأساة إنسانية، وظهور تنظيم «داعش»، كان نتيجة خطأ مباشر لسياسات إدارة الرئيس الأميركي، وفقاً لمحللين. كما أعادت تصريحات الأخير، والتي قال فيها إنه «لم يتم التخطيط أبداً لإسقاط الأسد عسكرياً»، سياسات البيت الأبيض في الشرق الأوسط إلى واجهة الأحداث.
إلى ذلك، حذرت المعارضة من أنه إذا استطاع النظام الاقتراب من الطريق الوحيد الذي يوصل إلى المناطق الشرقية، فإن نحو 200 ألف شخص من سكان المدينة سيقعون تحت الحصار، ويُحرمون من الطعام والمواد الغذائية والطبية.
وقتل عشرات المدنيين، من بينهم 50 طفلاً، في كلا طرفي المدينة الشرقي والغربي، منذ ثلاثة أسابيع، وفقاً لما أورده المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من لندن مقراً له. وردّ المقاتلون على هجمات النظام الجوية بقصف المنطقة الغربية من المدينة التي يسيطر عليها النظام. ولا يستبعد ناشطون في حلب أن تتمكن قوات نظام الرئيس بشار الأسد من السيطرة على طريق «كاستيلو» في الأيام المقبلة، وحذروا من نفاد الوقت بالنسبة للأهالي في المدينة. وينتظر سكان حلب نتائج مفاوضات جنيف، بفارغ الصبر، ويأملون بأن يقوم العالم بشيء لإنقاذهم. ويخشى الثوار أن تنتهي الانتفاضة ضد النظام إلى نقطة البداية، في وقت لا تحرك الولايات المتحدة والغرب ساكناً، لمساعدة المعارضة بشكل جاد.
مصير الأسد
استبعد قائد الفرقة الأولى في الجيش السوري الحر، خالد كانجو، العودة إلى جنيف للتفاوض، حتى وإن اتفق الفرقاء على الهدنة. ويؤكد القيادي في الجيش الحر، الذي يضم نحو 1500 مقاتل في حلب، وتدعمه واشنطن، أن ما يريده الأسد وحليفه الروسي هو «الجيش الحر»، مضيفاً «إذا أرادوا الحل السياسي، فعليهم السماح بوصول المساعدات إلى المناطق المحاصرة من البلاد، على الأقل». ويبدو أن القوى الدولية والإقليمية في سورية قد اصطدمت، بعد أن فشلت جميع المساعي السياسية، بعقبة كبيرة هي مصير الرئيس بشار الأسد، الذي يرفض التخلي عن السلطة. ويأتي ذلك في وقت صعّدت فيه الأمم المتحدة وعواصم غربية الضغط الدبلوماسي، في مسعى للتوصل الى اتفاق لوقف القتال الوحشي خصوصاً خلال الأسبوعين الماضيين. وفي حين تم احترام وقف إطلاق النار في مناطق أخرى من البلاد، فشل البيت الأبيض في دفع الكرملين للضغط على حلفائه بشأن الهدنة في حلب، التي شهدت أسوأ أعمال عنف.
وظلت إدارة البيت الأبيض لسنوات تبحث عن مبررات لموقفها من الثورة السورية، مع تركيزها على أنها لا تريد أن تتدخل عسكرياً في هذا البلد. كل ما كانوا يطالبون به هو السماح بتزويد المدنيين بما يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم، في وجه القتل الذي يتعرضون له من قبل الأسد وحلفائه، وأن يتم منع الدعم الذي يتدفق إلى الأسد، من قبل روسيا وإيران والعراق والميليشيا اللبنانية. في يونيو 2015، ، بدأت التحضيرات الروسية للتدخل العسكري في سورية من أجل دعم نظام الأسد، وتم ذلك بالتزامن مع اجتماعات فيينا الأولى والثانية، وعملت القوى الدولية على إضعاف المعارضة السورية المعتدلة.
ترجيح الكفة
يرى خبراء أن الغموض يسود السياسة الأميركية تجاه سورية، في وقت اختارت موسكو وطهران التدخل العسكري المباشر ما أدى إلى ترجيح كفة النظام السوري. وفي ذلك يقول مدير مركز الشرق الأوسط في جامعة دنفر، نادر هاشمي، إن طريقة تعاطي إدارة الرئيس أوباما مع الأزمة السورية، كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين. ويرى الخبير السياسي أن سياسة أوباما تجاه الأزمة في سورية تشبه إلى حد كبير سياسة الرئيس السابق بيل كلينتون (من الحزب الديمقراطي أيضاً)، تجاه البوسنة والهرسك، قبل عقدين، «إن المبررات التي قدمتها إدارة كلينتون في السنوات الثلاث الأولى من الحرب في جنوب شرق أوروبا، ومع حدوث تطهير عرقي، تشبه مبررات الرئيس أوباما تجاه الأزمة السورية، وكانت من قبيل، أن حل هذه الأزمة لا يمكن أن يكون بواسطة قوة خارجية، وليس للولايات المتحدة أي مصلحة في التدخل العسكري».
من جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية في كلية سميث بولاية ماستشوستس، ستيفن هايدمان، أن سياسة أوباما في سورية المتمثلة في إفساح المجال لإيران وروسيا للتدخل بهذا الشكل هي سياسة «متعمدة». وأوضح الخبير في الشؤون السورية، «إن سياسة أوباما من الناحية التقنية صحيحة، فهو لم يدعم الإطاحة بالأسد بالقوة، إلا أنه دعم بعض الفصائل من أجل إسقاط النظام، وهذا الدعم تزامن مع طرح حل سياسي وإجراء محادثات بين الأطراف». ولفت الخبير إلى أن إدارة البيت الأبيض، كان بوسعها فعل المزيد من أجل تحقيق الحل السياسي، «إلا أنها لم تسعَ إلى الحصول على مفاتيح الحل السياسي».